فصل: الخبر عن إجازة السلطان أبي يوسف الرابعة ومحاصرة شريش وما تخلل ذلك من الغزوات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الخبر عن إجازة السلطان أبي يوسف الرابعة ومحاصرة شريش وما تخلل ذلك من الغزوات:

لما اعتزم أمير المسلمين على الإجازة واعترض جنوده وحاشيته وأزاح عللهم وبعث في قبائل المغرب بالنفير ونهض من مراكش في جمادى الآخرة لثلاث وثمانين وستمائة واحتل رباط الفتح منتصف شعبان فقضى به صومه ونسكه ثم ارتحل إلى قصر مصمودة وشرع في إجازة العساكر والحشود من المرتزقة والمطوعة خاتم سنته ثم أجاز البحر بنفسه غرة صفر من سنة أربع وثمانين وستمائة بعدها واحتل بظاهرها ثم سار منها إلى الخضراء وأراح أياما ثم خرج غازيا حتى انتهى إلى وادلك وسرح الخيول في بلاد العدو وبسائطها يحرق وينسف فلما خرب بلاد النصرانية ودمر أرضهم قصد مدينة شريش فنزل بساحتها وأناخ علما وبث السرايا والغارات في جميع نواحيها وبعث المسالح التي كانت بالثغور فتوافت لديه ولحقه حافده عمر بن أبي مالك بجمع وافر من المجاهدين من أهل المغرب فرسانا ورجالا ووافته حصة العزفي من سبتة غزاة ناشبة تناهز خمسمائة من الرجل وأوعز إلى ولي عهده الأمير أبي يعقوب باستنفار من بقي بالعدوة من المسلمين إلى الجهاد وعقد لحافده الآخر منصور بن عبد الواحد على ألف فارس من الغزاة وأعطاه الراية وسرحه لغزو إشبيلية لآخر صفر من سنته فغنموا ومروا بقرمونة في منصرفهم فاستباحوها واثخنوا بالقتل والأسر ورجعوا وقد امتلأت أيديهم من الغنائم وبعث وزيره محمد بن عطوا ومحمد بن عمران بن عبلة عيونا فوافوا حصن القناطر وروطه واستكشفوا ضعف الحامية واختلال الثغور فعقد ثانية لحافده عمر بن عبد الواحد على مثلها من الفرسان لثالثة من ربيع وأعطاه الراية وسرحه إلى بسائط وادلك فرجعوا من الغنائم بما ملأ العساكر بعد أن أثخنوا فيها بالقتل والتخريب وتحريق الزروع واقتلاع الثمار وأبادوا عمرانها ثم سرح ثامن ربيع عسكرا للإغارة على حصن اركش ووافوه على غرة فاكتسحوا أموالهم ثم عقد تاسع ربيع لابنه أبي معروف على ألف من الفرسان وسرحه لغزو إشبيلية فساروا حتى توقف عليها وانحجزت منه حاميتها فخرب عمرانها وحرق زروعها وقطع شجرها وامتلأت أيدي عسكره سبيا وأموالا ورجع إلى معسكر السلطان مملؤ الحقائب ثم عقد ثالثة لحافده عمر منتصف ربيع لغزو حصن كان بالقرب من معسكره وسرح الرجل من الناشبة والفعلة بالآلات وأمده بالرجل من المصامدة وغزاة سبتة فاقتحموه عنوة على أهله وقتلوا المقاتلة وسبوا النساء والذرية وأرغموا خده بالتراب ولسبع عشرة من الشهر ركب السلطان إلى حصن سقوط قريبا من معسكره فخربه وحرقه بالنار واستباحه وقتل المقاتلة وسبى أهله ولعشرين من شهره وصل ولي عهده الأمير أبو يعقوب من العدوة بنفير أهل المغرب وكافة القبائل في جيوش ضخمة وعساكر موفورة وركب أمير المسلمين للقائهم وبرور مقدمهم واعترض العساكر الموافية يومئذ فكانت ثلاثة عشر ألفا من المصامدة وثمانية آلاف من برابرة المغرب متطوعون كلهم بالجهاد فعقد السلطان له على خمسة آلاف من المرتزقة وألفين من المتطوعة وثلاثة عشر ألفا من الرجل وألفين من الناشبة وسرحه لغزو إشبيلية والإثخان في نواحيها فعبى كتائبه ونهض لوجهه وبث الغارات بين يديه فأثخنوا وسبوا وقتلوا واقتحموا لحصون واكتسحوا الأموال وعاج على الشرق والغابة من بسيط إشبيلية فنسف قراها واقتحم من حصونها عدة وقفل إلى معسكر أمير المسلمين ظاهرا عزيزا غانما ولسادس ربيع الثاني وصل الأمير أبو زيان منديل بن طريف بعسكر وافر من المسلمين فعقد له غداة وصوله وأمده بعسكر آخر وأغزاه قرمونة والوادي الكبير فأغار على قرمونة وطمعت حاميتها في المدافعة فبرزوا له وصدقهم القتال فانكشفوا حتى احجزوهم في البلد ثم أحاطوا ببرج كان قريبا من البلد فقاتلوه ساعة من نهار واقتحموه عنوة ولم يزل يتقرى المنازل والعمران حتى وقف بساحة إشبيلية فأغار واقتحم برجا كان هنالك عينا على المسلمين وأضرمه نارا وامتلأت أيدي عساكره وقفل إلى معسكر أمير المسلمين ولثلاث عشرة من ربيع الثاني عقد للأمير أبي يعقوب لمنازلة جزيرة كيوثر فصمد إليها وقاتلها واقتحمها عنوة وفي ثاني جمادى عقد لطلحة بن يحيى بن محلى وكان بعد مداخلته أخاه عمر في شأن مالقة سنة خمس وسبعين وستمائة خرج إلى الحج فقضي فرضه ورجع ومر في طريقه بتونس واتهمه الدعي ابن أبي عمارة كان بها يومئذ فاعتقله سنة اثنتين وثمانين ثم سرحه ولحق بقومه بالمغرب ثم أجاز الأندلس غازيا في ركاب السلطان فعقد له في هذه الغزاة على مائتين من الفرسان وسرحه إلى إشبيلية ليكون رتبة للمعسكر وبعث معه لذلك عيونا من اليهود والمعاهدين من النصارى يتعرفون له أخبار الطاغية شانجة وأمير المسلمين أثناء ذلك يغادي شريش ويراوحها بالقتال والتخريب ونسف الآثار وبث السرايا كل يوم وليلة في بلاد العدو فلا يخلو يوما عن تجهيز عسكر أو اغزاء جيش أو عقد راية أو بعث سرية حتى انتسف العمران في جميع بلاد النصرانية وخرب بسائط إشبيلية وليلة وقرمونة واستجة وجبال الشرق وجميع بسائط الفرنتيرة وأبلى في هذه الغزوات عياد العاصي من شيوخ جشم وخضر الغزي أمير الأكراد بلاء عظيما.
وكان لهم فيها ذكر وكذلك غزاة سبتة وسائر المجاهدين والعرب من جشم وغيرهم فلما دمرها تدميرا ونسفها تخريبا واكتسحها غارة ونهبا وزحم فصل الشتاء وانقطعت الميرة عن العسكر اعتزم على القفول وأفرج عن شريش لآخر رجب ووافاه مدد غرناطة من عساكر الغزاة وقائدهم يعلى بن أبي عياد بن عبد الحق بوادي بردة فلقاهم مبرة وتكريما وانقلبوا إلى أهلهم واتصل به أن العدو أوعز إلى أساطيله باحتلال الزقاق والاعتراض دون الفراض فأوعز أمير المسلمين إلى جميع سواحله من سبتة وطنجة والمنكب وجزيرة وطيف وبلاد الريف ورباط الفتح واستدعى أساطيله فتوافت منها ستة وثلاثون أسطولا متكاملة في عدتها وعديدها فأحجمت أساطيل العدو عنها وارتدت على أعقابها واحتل بالجزيرة غرة رمضان واستيقن الطاغية شانجة وأهل ملته أن بلادهم قد فنيت وأرضهم خربت وتبينوا العجز عن المدافعة والحماية فجنحوا إلى السلم وضرعوا إلى أمير المسلمين في كف عاديته عنهم على ما يذكر ووصل إلى السلطان بمكانه من منازلة شريش عمر بن أبي يحبى بن محلى نازعا إلى طاعته فاتهمه لما سبق من تلاعبه وأمر أخاه طلحة فنكبه واحتمل إلى طريف فاعتقل بها وسار طلحة إلى المنكب فاستصفى أموال أخيه عمر وذخائره وسار إلى السلطان وأقر ثانية أخاه موسى على عمله بالمنكب وأمده بعسكر من الرجل ثم أطلق عمر لليال من اعتقاله وأجاز طلحة وعمر في ركاب السلطان.
ونزع منصور بن أبي مالك حافد السلطان إلى غرناطة ثم لحق منها بالمنكب وأقام مع موسى بن أبي يحيى بن محلى فأقره السلطان ورضي بمقامه والله تعالى أعلم.